فصل: ذكر إحراق قصر صاحب الزنج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدة حوادث

فيها سار عمروبن الليث إلى فارس لحرب عاملها محمد بن الليث عليها فهزمه عمرو واستباح عسكره ونجا محمد ودخل عمرواصطخر فنهبها وأصحابه ووجه في طلب محمد فظفر به وأخذه أسيرا ثم سار إلى شيراز فأقام بها‏.‏

وفيها زلزلت بغداد في ربيع الأول ووقع بها أربع صواعق‏.‏

وفيها زحف العباس بن أحمد بن طولون لحرب أبيه فخرج إليه أبوه إلى الاسكندرية فظفر به ورده إلى مصر فرجع معه إليها وقد تقدم خبره سابقًا‏.‏

وفيها أوقع أخوشركب بالخجستاني وأخذ أمه‏.‏

وفيها وثب ابن شبث بن الحسين فأسر عمر بن سيما عامل حلوان‏.‏

وفيها انصرف أحمد بن أبي الأصبع من عند عمروبن الليث وكان عمروقد أنفذه إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فقدم معه بمال فأرسل عمروإلى الموفق من المال ثلاثمائة ألف دينار وخمسين مناص مسكا وخمسين منًا عنبرا ومائتي من عود وثلثمائة ثوب وشي وآنية ذهب وفضة ودواب وغلمانًا بقيمة مائتي ألف دينار‏.‏

وفها ولي كيغلغ الخليل بن رمال حلوان فنالهم بالمكاره بسبب عمر ابن سيما وأخذهم بجزيرة ابن شبث وضمنوا له خلاص عمر وإصلاح ابن شبث‏.‏

وفيها كانت وقعة بين أذكوتكين بن أساتكين وبين أحمد بن عبد العزيز ابن أبي دلف فهزمه أذكوتكين وغلبه على قم‏.‏

وفيها وجه عمروبن الليث قائدًا بأمر أبي احمد إلى محمد بن عبيد الله الكردي فأسره القائد وحمله إليه‏.‏

وفيها في ذي القعدة خرج بالشام رجل من ولد عبد الملك بن صالح الهاشمي يقال له بكار بين سلمية وحلب وحمص فدعا لأبي أحمد فحاربه ابن عباس الكلابي فانهزم الكلابي فوجه إليه لؤلؤ صاحب ابن طولون قائدًا يقال له يوذر في عسكر فرجع وليس معه كبير أمر‏.‏

وفيها اظهر لؤلؤ الخلاف على مولاه أحمد بن طولون‏.‏

وفيها قتل أحمد بن عبد الله الخجستاني في ذي الحجة قتله غلام له‏.‏

وفيها قتل أصحاب أبي الساج محمد بن علي بن حبيب اليشكري بالقرية بناحية واسط

وفيها حارب محمد بن كيجور علي بن الحسين كفتمر فأسر ككفتمر ثم أطلقه وذلك في ذي الحجة‏.‏

وفيها سار أبوالمغيرة المخزومي إلى مكة وعاملها هارون بن محمد الهاشمي فجمع هارون جمعًا احتمى بهم فسار المخزومي إلى مشاش فغور ماءها وإلى جدة فنهب الطعام وأحرق بيوت أهلها فصار الخبز بمكة‏:‏ أوقيتان بدرهم‏.‏

وفيها خرج ملك الروم المعروف بابن الصقلبية فنازل ملطية فأعانهم أهل مرعش والحدث فانهزم ملك الروم‏.‏

وغزا الصائفة من ناحية الثغور الشامية الفرغاني عامل ابن طولون فقتل من الروم بضعة عشر ألفًا وغمن الناس فبلغ السهم أربعين دينارًا‏.‏

وحج بالناس فيها هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمي وابن أبي الساج على الأحداث والطريق‏.‏

وفيها مات محمد بن عبد الله بين عبد الحكم والبصري الفقيه المالكي وكان قد صحب الشافعي وأخذ عنه العلم‏.‏

  ذكر أخبار الزنج

وفي هذه السنة رمي الموفق بسهم في صدره وكان سبب ذلك أن بهبود لما هلك طمع العلوي في ما له من الأموال وكان قد صح عنده أن ملكه قد حوى مائتي ألف دينار وجوهرا وفضه فطلب ذلك واخذ أهله وأصحابه فضربهم وهدم أبنيته طمعًا في المال فلم يجد شيئا فكان فعله مما أفسد قلوب أصحابه عليه ودعاهم إلى الهرب منه فأمر الموفق بالنداء بالأمان في أصحاب بهبود فسارعوا إليه فألحقهم في العطاء بمن تقدم‏.‏

ورأى الموفق ما كان يتعذر عليه من العبور إلى الزنج في الأوقات التي تهب فيها الرياح لتحرك الأمواج فعزم على أن يوسع لنفسه ولأصحابه موضعًا في الجانب الغربي فأمر بقطع النخل وإصلاح المكان وأن يعمل له الخنادق والسور ليأمن البيات وجعل حماية العمالين فيه نوبًا على قواده‏.‏

فعلم صاحب الزنج وأصحابه أن الموفق إذا جاورهم قرب على من يريد اللحاق به المسافة مع ما يدخل قلوب أصحابه من الخوف وانتقاض تدبيره عليه فاهتموا بمنع الموفق من ذلك وبذل الجهد فيه وقاتلوا أشد قتال فاتفق أن الريح عصفت في بعض تلك الأيام وقائد من القواد هناك فانتهز الخبيث الفرصة في إنفاذ هذا القائد وانقطاع المدد عنه فسير إليه جميع أصحابه فقاتلوه فهزموه وقتلوا كثيرًا من أصحابه ولم تجد الشذوات التي لأصحاب الموفق سبيلًا إلى القرب منهم خوفًامن الزنج أن تلقيها على الحجارة فتنكسر فغلب الزنج عليهم وأكثروا القتل والأسر ومن سلم منهم ألقى نفسه في الشذوات وعبروا إلى الموفقية فعظم ذلك على الناس‏.‏

ونظر الموفق فرأى أن نزلوه بالجانب الغربي لا يأمن عليه حيلة الزنج وصاحبهم وانتهاز فرصة لكثرة الأدغال وصعوبة المسالك وأن الزنج أعرق بتلك المضايق وأجرأ عليها من أصحابه فترك ذلك وجعل قصده إلى هدم سور الفاسق وتوسعة الطريق والمسالك فأمر بهدم السور من ناحية النهر المعروف بمنكي وباشر الحرب بنفسه واشتد القتال وكثر القتل والجراح من الجانبين ودام ذلك أيامًا عدة‏.‏

وكان أصحاب الموفق لا يستطيعون الولوج لقنطرتين كانتا في نهر منكي كان الزنج يعبرون عليهما وقت القتال فيأتون أصحاب الموفق من وراء ظهورهم فينالون منهم فعمل الحيلة في إزالتهما فأمر أصحابه بقصدهما عند اشتغال الزنج وغفلتهم عن حراستهما وأمرهم أن يعدوا الفؤوس والمناشير وما يحتاجون إليه من الآلات فقصدوا القنطرة الأولى نصف النهار فأتاهم الزنج لمنعهم فاقتتلوا فانهزم الزنج وكان مقدمهم أبوالندى فأصابه سهم في صدره فقتله وقطع وألح الموفق على الخبيث بالحرب وهدم أصحابه من السور ما أمكنهم ودخلوا المدينة وقاتلوا فيها وانتهوا إلى داري ابن سمعان وسليمان بن جامع فهدموهما ونهبوا ما فيهما وانتهوا إلى سويقة للخبيث سماها الميمونة فهدمت وأخربت وهدموا دار الحياتي وانتهبوا ما كان فيها من خزائن الفاسق وتقدموا إلى الجامع ليهدموه فاشتدت محاماة الزنج عنه فلم يصل إليه أصحاب الموفق لأنه كان قد خلص مع الخبيث نخبة أصحابه وأرباب البصائر فكان أحدهم يقتل أويجرح فيجذبه الذي إلى جنبه ويقف مكانه‏.‏

فلما رأى الموفق ذلك أمر أبا العباس بقصد الجامع مع أحد أركانه بشجعان أصحابه وأضاف إليهم الفعلة للهدم ونصب السلاليم فعل ذلك وقاتل عليه أشد قتال فوصلوا إليه فهدموه فاخذ منبره فأتي به الموفق ثم عاد الموفق لهدم السور فأكثر منه وأخذ أصحابه دواوين الخبيث وبعض خزائنه فظهر للموفق أمارات الفتح فإنهم لعلى ذلك إذ وصل سهم إلى الموفق فأصابه في صدره رماه به رومي كان مع صاحب الزنج اسمه قرطاس وذلك لخمس بقين من جمادى الأولى فستر الموفق ذلك وعاد إلى مدينته وبات ثم عاد إلى الحرب على ما به من ألم الجراح ليشتد بذلك قلوب أصحابه فزاد ف علته وعظم أمرها حتى خيف عليه‏.‏

واضطرب العسكر والرعية وخافوا فخرج من مدينته جماعة وأتاه الخبر وهوفي هذه الحال بحادث في سلطانه فأشار عليه أصحابه وثقاته بأن يعود إلى بغداد ويخلف من يقوم مقامه فأبى ذلك وخاف أن يستقيم من حال الخبيث ما فسد واحتجب عن الناس مدة ثم برأ من علته وظهر لهم ونهض لحرب الخبيث وكان ظهوره في شعبان من هذه السنة‏.‏

  ذكر إحراق قصر صاحب الزنج

لما صح الموفق من جراحه عاد إلى ما كان عليه من محاربة العلوي وكان قد أعاد بناء بعض الثلم في السور فأمر الموفق بهدم ذلك وهدم ما يتصل به‏.‏

وركب في بعض العشايا وكان القتال ذلك اليوم متصلًا مما يلي نهر منكي والزنج مجتمعون فيه قد شغلوا بتلك الجهة وظنوا أنهم لا يأتون إلا منها فأتى الموفق ومعه الفعلة وقرب من نهر منكي وقاتلهم فلما اشتدت الحرب أمر الذين بالشذوات بالمسير إلى أسفل نهر أبي الخصيب وهوفارغ من المقاتلة والرجالة فقدم أصحاب الموفق وأخرجوا الفعلة فهدموا السور من تلك الناحية وصعد المقاتلة فقتلوا في النهر مقتلة عظيمة وانتهوا إلى قصور من قصور الزنج فأحرقوها وانتهبوا ما فيها واستنقذوا عددًا كثيرًا من النساء اللواتي كن فيها وغمنوا منها‏.‏

وانصرف الموفق عند غروب الشمس بالظفر والسلامة وبكر إلى حربهم وهدم السور فأسرع الهدم حتى اتصل بدار الكلابي وهي متصلة بدار الخبيث فلما أعيت الخبيث الحبل أشار عليه علي بن أبان بإجراء الماء على السباخ وأن يحفر خنادق في مواضع عدة يمنعهم عن دخول المدينة ففعل ذلك فرأى الموفق أن يجعل قصده لطم الخنادق والأنهار والمواضع المغورة فدام ذلك فحامى عنه الخبثاء ودامت الحرب ووصل إلى الفريقين من القتل والجراح أمر عظيم وذلك لتقارب ما بين الفريقين‏.‏

فلما رأى شدة الأمر من هذه الناحية قصد لإحراق دار الخبيث والهجوم عليها من دجلة فكان يعوق عن ذلك كثرة ما أعد الخبيث لها من المقاتلة والحماة عن داره فكانت الشذا إذا قربت من قصره رميت من فوق القصر بالسهام والحجارة من المنجنيق والمقالع وأذيب الرصاص وأفرغ عليهم فتعذر إحراقها لذلك فأمر الموفق أن تسقف الشذا بالأخشاب ويعمل عليها الجبس ويطلى بالأدوية التي تمنع النار من إحراقها ففرغ منها ورتب فيها أنجاد أحابه ومن النفاطين جمعًا كثيرًا‏.‏

واستأمن إلى الموفق محمد بن سمعان كاتب الخبيث وكان أوثق أصحابه في نفسه وكان سبب اسئمانه أن الخبيث أطلعه إلى انه عازم على الخلاص وحده بغير أهل ولا مال فلما رأى ذلك من عزمه أرسل يطلب الأمان فأمنه الموفق وأحسن إليه وقيل‏:‏ كان سبب خروجه أنه كان كارهًا لصحبة الخبيث مطلعًا على كفره وسوء باطنه ولم يمكنه التخلص منه إلى الآن ففارقه وكان خروجه عاشر شعبان‏.‏

فلما كان الغد بكر الموفق إلى محاربة الخبثاء فأمر أبا العباس بقصد دار محمد الكرنابي وهي بإزاء دار الخبيث وإحراقها وما يليها من منازل قواد الزنج ليشغلهم بذلك عن حماية دار الخبيث وأمر المرتبين في الشذا المطلية بقصد دار الخبيث وإحراقهأن ففعلوا ذلك وألصقوا شذواتهم بسور قصره وحاربهم الفجرة أشد حرب ونضحوهم بالنيران فلم تعمل شيئأن واحرق من القصر الرواشين والأبنية الخارجة وعملت النار فيهأن وسلم الذين كانوا في الشذا مما كان الخبثاء يرسلونه عليهم بالظلال التي كانت في الشذا وكان ذلك سببًا لتمكينهم من قصره‏.‏

وأمر الموفق الذين في الشذا بالرجوع فرجعوا فأخرج من كان فيها ورتب غيرهم وانتظر إقبال المد وعلوه فلما أقبل عادت الشذا إلى قصره وأحرقوا بيوتًا منه كانت تشرع على دجلة فأضرمت النار فيها واتصلت وقويت فأعجلت الخبيث ومن كان معه عن التوقف على شيء مما كان له من الأموال والذخائر وغير ذلك فخرج هاربا وتركه كله‏.‏

وعلا غلمان الموفق قصره مع أصحابهم فانتهبوا ما لم تأت النار عليه من الذهب والفضة والحلي وغير ذلك واستنقذوا جماعة ن النساء اللواتي كان الخبيث يأنس بهن ممن كان استرقهن ودخلوا دوره ودور ابنه انكلاي فاحرقوها جميعا وفرح الناس بذلك وتحاربوا هم وأصحاب الخبيث على باب قصره فكثر القتل في أصحابه والجراح والأسر وفعل أبوالعباس في دار الكرنابي من النهب والهدم والإحراق مثل ذلك وقطع أبوالعباس يومئذ سلسلة عظيمة كان الخبيث قطع بها نهر أبي الخصيب ليمنع الشذا من دخوله فحازها أبوالعباس وأخذها معه‏.‏

وعاد الموفق بالناس مع المغرب مظفرا وأصيب الفاسق في ماله ونفسه وولده ومن كان عنده من نساء المسلمين مثل الذي أصاب المسلمين منه من الذعر والجلاء وتشتت الشمل والمصيبة وجرح ابنه انكلاي في بطنه جراحة أشفى منها على الهلاك‏.‏

  ذكر غرق نصير

وفي يوم الأحد لعشر بقين من شعبان غرق أبوحمزة نصير وهوصاحب الشذوات‏.‏

وكان سبب غرقه أن الموفق بكر إلى القتال وأمر نصيرًا بقصد قنطرة كان الخبيث عملها في نهر أبي الخصيب دون الجسرين اللذين كان اتخذهما على النهر وفرق أصحابه من الجهات فعجل نصير فدخل نهر أبي الخصيب في أول المد في عدة من شذواته فحملها الماء فألصقها بالقنطرة ودخلت عدة من شذوات الموفق مع غلمانه ممن لم يأمرهم بالدخول فصكت شذوات

ورأى الزنج ذلك فاجتمعوا على جانبي النهر وألقى الملاحون أنفسهم في الماء خوفًا من الزنج ودخل الزنج الشذوات فقتلوا بعض المقاتلة وغرق أكثرهم وصابرهم نصير حتى خاف الأسر فقذف نفسه في الماء فغرق وأقام الموفق يومه يحاربهم وينهبهم ويحرق منازلهم ولم يزل يومه مستعليًا عليهم‏.‏

وكان سليمان بن جامع ذلك اليوم من أشد الناس قتالًا لأصحاب الموفق وثبت مكانه حتى خرج عليه كمين للموفق فانهزم أصحابه وجرح سليمان جراحة في ساقه وسقط لوجهه في موضع كان فيه حريق وفيه بعض الجمر فاحترق بعض جسده وحمله أصحابه بعد أن كاد يؤسر وانصرف الموفق سالمًا ظافرًا وأصاب الموفق المفاصل فبقي به شهر شعبان وشهر رمضان وأيامًا من شوال وأمسك عن حرب الزنج ثم برأ وتماثل فأمر بإعداد آلة الحرب‏.‏

  ذكر إحراق قنطرة العلوي صاحب الزنج

ولما اشتغل الموفق بعلته أعاد الخبيث القنطرة التي غرق عندها نصير وزاد فيها واحكمها ونصب دونها أدقال ساج وألبسها الحديد وسكر أمام ذلك سكرًا من حجارة ليضيق المدخل على الشذا وتحتد جربة الماء في النهر فندب الموفق أصحابه وسير طائفة في شرقي نهر أبي

الخصيب وطائفة غربيه وأرسل معهما النجارين والفعلة لقطع القنطرة وما جعل أمامها وأمر بسفن مملوءة من القصب أن يصب عليها النفط وتدخل النهر ويلقى فيها النار ليحترق الجسر وفرق جنده على الخبثاء ليمنعوهم عن معاونة من عند القنطرة‏.‏

فسار الناس إلى ما أمرهم به عاشر شوال وتقدمت الطائفتان إلى الجسر فلقيهما انكلاي ابن الخبيث وعلي بن أبان وسليمان بن جامع واشتبكت الحرب ودامت وحامى أولئك عن القنطرة لعلمهم بما عليهم في قطعها من المضرة وأن الوصول إلى الجسرين العظيمين اللذين يأتي ذكرهما بسهل‏.‏

ودامت الحرب على القنطرة إلى العصر ثم إن غلمان الموفق أزالوا الخبثاء عنها وقطعها النجارون ونقضوها وما كان عمل من الأدقال الساج وكان قطعها قد تعذر عليهم فادخلوا تلك السفن التي فيها القصب والنفط وأضرموها نارا فوافت القنطرة فاحرقوها فوصل النجارون بذلك إلى ما أرادوا وأمكن أصحاب الشذا دخول النهر فدخلوا وقتلوا الزنج حتى أجلوهم عن مواقفهم إلى الجسر الأول الذي يتلوهذه القنطرة وقتل من الزنج خلق كثير واستأمن بشر كثير ووصل أصحاب الموفق إلى الجسر المغرب فكره أن يدركهم الليل فأمرهم بالرجوع فرجعوا وكتب إلى البلدان أن يقرأ على المنابر أن يؤتى المحسن على قدر إحسانه ليزدادوا جدًا في حرب عدوه وأخرب من الغد برجين من حجارة كانوا عملوهما ليمنعوا الشذا من الخروج منه إذا دخلته فلما أخربهما سهل له ما أراد من دخول النهر والخروج منه‏.‏

  ذكر انتقال صاحب الزنج إلى الجانب الشرقي وإحراق سوقه

لما أحرقت دوره ومساكن أصحابه ونهبت أموالهم وانتقوا إلى الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب وجمع عياله حوله ونقل أسواقه إليه فضعف أمره بذلك ضعفًا شديدًا ظهر للناس فامتنعوا من جلب الميرة إليه فانقطعت عنه كل مادة وبلغ الرطل من خبز البر عشرة دراهم فأكلوا الشعير وأصناف الحبوب‏.‏

ثم لم يزل الأمر بهم إلى أن كان أحدهم يأكل صاحبه إذا انفرد به والقوي يأكل الضعيف ثم أكلوا أولادهم‏.‏

ورأى الموفق أن يخرب الجانب الشرقي كما اخرب الغربي فأمر أصحابه بقصد دار الهمداني ومعهم الفعلة وكان هذا الوضع محصنًا بجمع كثير وعليه عرادات ومنجنيقات وقسي فاشتبكت الحرب وكثرت القتلى فانتصر أصحاب الموفق عليهم وقتلوهم وهزموهم وانتهوا

إلى الدار فتعذر عليهم الصعود إليها لعلوسورهأن فلم تبلغه السلاليم الطوال فرمى بعض غلمان الموفق بكلاليب كانت معهم فعلقوها في أعلام الخبيث وجذبوهأن فتساقطت الأعلام منكوسة فلم يشك المقاتلة عن الدار في أن أصحاب الموفق قد ملكوها فانهزموا لا يلوي أحد منهم على صاحبه فأخذها أصحاب الموفق وصعد النفاطون وأحرقوها وأم كان عليها من المجانيق والعرادات ونهبوا ما كان فيها من المتاع والأثاث وأحرقوا ما كان حولها من الدور واستنقذوا ما كان فيها من النساء وكن عالمًا كثيرًا من المسلمات فحملن إلى الموفقية وأمر الموفق بالإحسان إليهن‏.‏

واستأمن يومئذ من أصحاب الخبيث وخاصته الذين يلون خدمته جماعة كثيرة فأمنهم الموفق وأحسن إليهم ودلت جماعة من المستأمنة الموفق على سوق عظيمة كانت للخبيث متصلة بالجسر الأول تسمى المباركة وأعلموه إن أحرقها لم يبق لهم سوى غيرها وخرج عنهم تجارهم الذين كان بهم قوامهم فعزم الموفق على إحراقها وأمر أصحابه بقصد السوق من جانبيها فقصدوها وأقبلت الزنج إليهم فتحاربوا أشد حرب تكون واتصلت أصحاب الموفق إلى طرف من أطراف السوق وألقوا فيه النار فاحترق واتصلت النار‏.‏

وكان الناس يقتتلون والنار محيطة بهم واتصلت النار بظلال السوق فاحترقت وسقطت على المقاتلة واحترق بعضهم فكانت هذه حالهم إلى مغيب الشمس ثم تحاجزوا ورجع أصحاب الموفق إلى عسكرهم وانتقل تجار السوق إلى أعلى المدينة وكانوا قد نقلوا معظم أمتعتهم وأموالهم من هذه السوق خوفًا من مثل هذه‏.‏

ثم إن الخبيث فعل بالجانب الشرقي من حفر الخنادق وتغوير الطرق مثل ما كان فعل بالجانب الغربي بعد هذه الرقعة واحتفر خندقًا عريضًا حصن به منازل أصحابه التي على النهر الغربي فرأى الموفق أن يخرب باقي السور إلى النهر الغربي فعل ذلك بعد حرب طويلة في مدة بعيدة‏.‏

وكان للخبيث في الجانب الغربي جمع من الزنج قد تحصنوا بالسور وهومنيع وهم أشجع أصحابه فكانوا يحامون عنه وكانوا يخرجون على أصحاب الموفق عند محاربتهم على حرى كور وما يليه‏.‏

وأمر الموفق أن يقصد هذا الموضع ويخرب سوره ويخرج من فيه فأمر أبا العباس والقواد بالتأهب لذلك وتقدم إليهم وأمر بالشذا أن تقرب من السور ونشبت الحرب ودامت إلى بعد الظهر وهدم مواضع وأحرق ما كان عليه من العرادات وتحاجز الفريقان وهما على السواء سوى هدم السور وإحراق عرادات كانت عليه فنال الفريقين من الجراح أمر عظيم‏.‏

وعاد الموفق فوصل أهل البلاد والمجروحين على قدر بلائهم وهكذا كان عمله ف محاربته وأقام الموفق بعد هذه الوقعة أياما ثم رأى معاودة هذا الموضع لما رأى من صحانته وشجاعة من فيه وأنه لا يقدر على ما بينه وبين حرى كور إلا بعد إزالة هؤلاء فأعد الآلات ورتب أصحابه وقصده وقاتل من فيه وأدخلت الشذوات النهر واشتدت الحرب ودامت‏.‏

وأمد الخبيث أصحابه بالمهلبي وسليمان بن جامع في جيشهما فحملوا على أصحاب الموفق حتى ألحقوهم بسفنهم وقتلوا منهم جماعة فرجع الموفق ولم يبلغ منهم ما أراد وتبين له أنه كان ينبغي أن يقاتلهم من عدة وجوه لتخف وطأتهم على من يقصد هذا الموضع ففعل ذلك وفرق أصحابه على جهات أصحاب الخبيث وسار هوإلى جهة النهر الغربي وقاتل من فيه‏.‏

وطمع الزنج بما تقدم من تلك الوقعة فصدقهم أصحاب الموفق القتال فهزموهم فولوا منهزمين وتركوا حصنهم في أيدي أصحاب الموفق فهدموه وغمنوا ما فيه وأسروا وقتلوا خلقًا لا يحصى وخلصوا من هذا الحصن خلقًا كثيرًا من النساء والصبيان ورجع الموفق إلى عسكره بما أراد‏.‏

  ذكر استيلاء الموفق على مدينة صاحب الزنج الغربية

لم اهدم الموفق دور الخبيث أمر بإصلاح المسالك لتتسع على المقاتلة الطريق للحرب ثم رأى قلع الجسر الأول الذي على نهر أبي الخصيب لما في ذلك من منع معاوية بعضهم بعضا وأمر بسفينة كبيرة أن تملأ قصبًا ويجعل فيه النفط ويوضع في وسطها دقل طويل يمنعها من مجاوزة الجسر إذا التصقت به ثم أرسلها عند غفلة الزنج وقوة المد فوافت الجسر وعلم بها الزنج فأتوها وطموها بالحجارة والتراب ونزل بعضهم في الماء فنقبها فغرقت وكان قد احترق من الجسر شيء يسير فأطفأها الزنج‏.‏

فعند ذلك اهتم الموفق بالجسر فندب أصحابه وأعد النفاطين والفعلة والفؤوس وأمرهم بقصده من غربي وشرقيه وركب الموفق في أصحابه وقصد فوهة نهر أبى الخصيب وذلك منتصف شوال سنة تسع وستين فسبق الطائفة التي في غرب النهر فهزم الموكلين على الجسر وهما سليمان بن جامع وانكلاي ولد الخبيث وأحرقوه‏.‏

وأتى بعد ذلك الطائفة الأخرى ففعلوا بالجانب الشرقي مثل ذلك وأحرقوا الجسر وتجاوزوه إلى جانب حظيرة كانت تعمل فيها سميريات الخبيث وآلاته واحترق ذلك عن آخره إلا شيئًا يسيرًا من الشذوات والسميريات كانت في النهر وقصدوا سجنًا للخبيث فقاتلهم الزنج عليه ساعة من النهار ثم غلبهم أصحاب الموفق عليه فأطلقوا من فيه وأحرقوا كل ما مروا به إلى

دار مصلح وهومن قدماء أصحابه فدخلوها فنهبوها وما فيها وسبوا نساءه وولده واستنقذوا خلقًا كثيرا وعاد الموفق وأصحابه سالمين‏.‏

وانحاز الخبيث وأصحابه من هذا الجانب إلى الجانب الشرقي من نهر أبي الخصيب واستولى الموفق على الجانب الغربي غير طريق يسير على الجسر الثاني فاصلحوا الطرق فزاد ذلك في رعب الخبيث وأصحابه فاجتمع كثير من أصحابه وقواده وأصحابه الذين كان يرى أنهم لا يفارقونه على طلب الأمان فبذل لهم فخرجوا أرسالا فأحسن الموفق إليهم وألحقهم بأمثالهم‏.‏

ثم إن الموفق أحب أن يتمرن أصحابه بسلوك النهر ليحرق الجسر الثاني فكان يأمرهم بإدخال الشذا فيه وإحراق ما على جانبه من المنازل فهرب إليه بعض الأيام قائد للزنج ومعه قاض كان لهم ومنبر ففت ذلك في أعضاد الخبثاء ثم إن الخبيث وكل بالجسر الثاني من يحفظه وشحنه بالرجال فأمر الموفق بعض أصحابه بإحراق ما عند الجسر من سفن ففعلوا حتى أحرقوها فزاد ذلك في احتياط الخبيث وفي حراسته للجسر لئلا يحرق ويستولي الموفق على الجانب الغربي فيهلك‏.‏

وكان قد تخلف من أصحابه جمع في منازلهم المقاربة للجسر الثاني وكان أصحاب الموفق

يأتونهم ويقفون على الطريق الخفية فلما عرفوا ذلك عزموا على إحراق الجسر الثاني فأمر الموفق ابنه أبا العباس والقواد بالتجهز لذلك وأمرهم أن يأتوا من عدة جهات ليوافوا الجسر وأعد معهم الفؤوس والنفط والآلات ودخل هوفي النهر بالشذوات ومعه أنجاد غلمانه ومعهم الآلات أيضا واشتبكت الحرب في الجانبين جميعًا بين الفريقين واشتد القتال‏.‏

وكان في الجانب الغربي بإزاء أبي العباس ومن معه انكلاي ابن الخبيث وسليمان بن جامع وفي الجانب الشرقي بإزاء راشد مولى الموفق ومن معه الخبيث والمهلبي في باقي الجيش فدامت الحرب مقدار ثلاث ساعات ثم انهزم الخبثاء لا يلوون على شيء وأخذت السيوف منهم ودخل أصحاب الشذا النهر ودنوا من الجسر فقاتلوا من يحميه بالسهام وأضرموا نارًا‏.‏

وكان من المنهزمين سليمان وانكلاي وكانا قد أثخنا بالجراح فوافيا الجسر والنار فيه فحالت بينهما وبين العبور وألقيا أنفسهما في النهر ومن معهما فغرق منهم خلق كثير وأفلت انكلاي وسليمان بعد أن أشفيا على الهلاك وقطع الجسر وأحرق وتفرق الجيش في مدينة الخبيث في الجانبين فأحرقوا من دورهم وقصورهم وأسواقهم شيئًا كثيرا واستنقذوا من النساء والصبيان ما لا يحصى ودخلوا الدار التي كان الخبيث سكنها بعد إحراق قصره وأحرقوها ونهبوا ما كان فيها مما كان سلم معه وهرب الخبيث ولم يقف ذلك اليوم على مواضع أمواله‏.‏

واستنقذ في هذا اليوم نسوة من العلويات كن محبسات في موضع قريب من داره التي كان يسكنها فأحسن الموفق إليهن وحملهن وفتح سجنًا كان له واخرج منه خلقًا كثيرًا ممن كان يحارب الخبيث ففك الموفق عنهم الحديد واخرج ذلك اليوم كل ما كان في نهر أبي الخصيب من شذا ومراكب بحرية وسفن صغار وكبار وحراقات وغير ذلك من أصناف السفن إلى دجلة فأباحها الموفق أصحابه مع ما فيها من السلب وكانت له قيمة عظيمة‏.‏

وأرسل انلكلاي ابن الخبيث يطلب الأمان وسأل أشياء فأجابه الموفق إليها فعلم أبوه بذلك فعذله وورده عما عزم عليه فعاد إلى الحرب ومباشرة القتال‏.‏

ووجه سليمان بن موسى الشعراني وهوأحد رؤساء الخبيث يطلب الأمان فلم يجبه الموفق إلى ذلك لما كان قد تقدم منه من سفك الدماء والفساد فاتصل به أن جماعة من رؤساء أصحاب الخبيث قد استوحشوا المنعة فأجابه إلى الأمان فأرسل الشذا إلى موضع ذكره فخرج هووأخوه وأهله وجماعة من قواده فأرسل الخبيث من يمنعهم عن ذلك فقاتلهم ووصل إلى الموفق فزاد في الإحسان إليه وخلع عليه وعلى من معه وأمر بإظهاره لأصحاب الخبيث ليزدادوا ثقة فلم يبرح من مكانه حتى استأمن جماعة من قواد الزنج منهم شبل بن سالم فأجابه الموفق وأرسل إليه شذوات فركب فيها هووعياله وولده وجماعة من قواده فلقيهم قوم من الزنج فقاتلهم ونجا ووصل إلى الموفق فأحسن إليه ووصله بصلة جليلة وهومن قدماء أصحاب الخبيث فعظم ذلك عليه وعلى أوليائه لما رأوا من رغبة رؤسائهم في الأمان‏.‏

ولما رأى الموفق مناصحة شبل وجودة فهمه أمره أن يكفيه بعض الأمور فسار ليلًا في جمع من الزنج ولم يخالطهم غيرهم إلى عسكر الخبيث يعرف مكانهم وأوقع بهم وأسر منهم وقتل وعاد فأحسن إليه الموفق وإلى أصحابه‏.‏

وصار الزنج بعد هذه الوقعة لا ينامون الليل ولا يزالون يتحارسون للرعب الذي دخلهم وأقام الموفق ينفذ السرايا إلى الخبيث ويكيده ويحول بينه وبين القوت وأصحاب الموفق يتدربون في سلوك تلك المضايق التي في أرضه ويوسعونها‏.‏